You are here

السلام والتعايش في القرآن

مقدمة

السلام عليكم

أشكر لكم حضوركم واهتمامكم

في زمن نسمع فيه كثيراً عن الحروب والصراعات، يهمني أن أشارككم شيئاً لا يعرفه الكثيرون: أن السلام من أهم القيم في القرآن الكريم، بل هو جوهر رسالة الإسلام منذ بدايتها.

أتمنى بداية من الأخوة غير المسلمين إذا أرادوا معلومات عن الإسلام أن يأخذوها من مصدرها الصحيح وليس من وسائل الإعلام التي ليس بالضرورة أن تقول كلاماً صحيحاً حول هذا الموضوع.. تعرفون أن هذه الوسائل قد يكون لها أهداف ودوافع غير صحيحة.

هذا الكلام الذي أقوله اليوم عن موقف الإسلام من السلام.. هو بالنسبة لي ليس نوعاً من المجاملات أو فقط من أجل بناء العلاقات، وإنما هو الذي أفهمه أنا كمتخصص في تفسير القرآن

أولًا: الإسلام مشتق من السلام

عندما نقرأ القرآن بصدق، نجد أن السلام ليس مجرد كلمة فيه، بل هو مبدأ عميق، متكرر، ومركزي.

الإسلام مشتق من السلام.

السلام اسم من أسماء الله تعالى. "هو الله الذي لا إله إلا هو، الملك، القدوس، السلام"

الجنة في الإسلام تُسمى: دار السلام.

تحية المسلمين هي: "السلام عليكم".

ثانيًا: الإسلام يدعو إلى التعايش مع الآخرين

من المبادئ الأساسية التي نجدها في القرآن أن التعدد والاختلاف بين الناس هو أمر طبيعي، بل هو من حكمة الخالق.

دققوا معي في هذه الآية القرآنية:

"يا أيها الناس، إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا"

لاحظوا أن الآية تبدأ بنداء عام: "يا أيها الناس"، وليس "يا أيها المسلمون". هذا خطاب موجه للبشرية كلها... 

ما الهدف من جعل الناس شعوب وأمم مختلفة؟

هل هو العنصرية؟ هل هو التقاتل والحروب والصراعات؟ 

القرآن يقول لنا: (لتعارفوا) والمقصود: التعاون وبناء العلاقات الطبيعية، والتفاهم، لا الصراع والتنازع

ثالثًا: الأصل في العلاقة مع الآخرين هو السلام لا الحرب

أحيانًا يُظن أن العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين قائمة على الصراع، لكن القرآن الكريم يوضح أن الأصل هو السِّلم، والحرب حالة استثنائية جدًا، تُقيّد بقيود صارمة.

بل أكثر من ذلك، يوضح القرآن أن المعاملة الطيبة مع غير المسلمين الذين لا يؤذون المسلمين هي واجبة:

"لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، ولم يخرجوكم من دياركم، أن تبروهم وتُقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين." [الممتحنة: 8]

رابعًا: اختلاف الدين ليس سببًا للعداوة

القرآن الكريم يعترف بوجود أديان أخرى، ويؤكد أن الإيمان يجب أن يكون عن قناعة، لا بالإكراه.

يقول القرآن:

"لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي..." [البقرة: 256]

ويأمر المسلمين عند الحديث مع أهل الديانات الأخرى أن يتحدثوا معهم بلطف:

"ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن..." [العنكبوت: 46]

إليكم هذا المثال الذي يدل على ان اختلاف الدين ليس سبباً للعداوة:

النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذهب إلى المدينة .. وكان فيها غير مسلمين .. ماذا فعل؟

هل قال هؤلاء يهود غير مسلمين يجب أن أقاتلهم؟؟

لا طبعاً بالعكس .. عمل معهم اتفاقيات مشتركة .. باعتبار الجميع بغض النظر عن اختلاف الدين شركاء في الدفاع عن المدينة والحفاظ عليها ... ولكن متى حصلت الحروب بين النبي وبين اليهود ؟؟ ومتى تغيرت هذه العلاقة المبنية على السلام؟ باختصار حصل ذلك بعد أمن حصل اعتداء من اليهود

فالإسلام لا يعامل الإنسان على أساس دينه فقط، بل على أساس سلوكه وعدالته.

خامسًا: أمثلة من الواقع – التعايش في فلسطين، مدينة نابلس

لعل من أجمل الأمثلة على التعايش بين الأديان هو ما نراه في مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية في فلسطين. في نابلس، يعيش المسلمون منذ قرون جنبًا إلى جنب مع طائفة السامريين، ومع المسيحيين.. يعيشون معاً ويتبادلون التهاني في الأعياد والمناسبات ويتشاركون في الأسواق وفي الأعراس والوفيات بتلقائية.

هذا التعايش ليس نتيجة ضغط أو قانون، بل نتيجة ثقافة عميقة في المجتمع، متأثرة بروح القرآن، الذي يدعو إلى الرحمة والاحترام.

المسلم الذي يقرأ القرآن لا يشعر مطلقاً بأن القرآن يدعوه لقتل الآخرين، ولا يشعر مطلقاً بأن القرآن يربيه على الكراهية، بل على العكس تماماً، على الحب والرحمة وتمني الخير للجميع.

إن رسالة القرآن ليست رسالة حرب، بل رسالة تعايش وتعارف ورحمة.

أدعوكم – إن رغبتم – أن تقرؤوا بعض آيات هذا الكتاب بأنفسكم، وتأملوا فيها، وربما تجدون فيها شيئًا جميلًا لم تكونوا تتوقعونه.

شكرًا لحسن استماعكم، وأرحب بأسئلتكم أو تعليقاتكم.

أ.د عودة عبد الله
مدرس في كلية الشريعة وعضو الهيئة الاستشارية في مركز النجاح للدراسات الدينية